يَجِيءُ مَوْقِعُ مِنَ القُدْوَةِ لِيُحْيِي فِي النُّفُوسِ مَعْنَى الِاقْتِدَاءِ الصَّحِيحِ، وَلِيُصَحِّحَ مَسَارَ الْوَعْيِ فِي زَمَنٍ تَكَاثَرَتْ فِيهِ النَّمَاذِجُ الزَّائِفَةُ. هُنَا نَسْعَى لِتَقْدِيمِ قُدْوَاتٍ حَقِيقِيَّةٍ تَرْتَقِي بِالأَخْلَاقِ وَتُصَفِّي الْقَلْبَ، مِنْ خِلَالِ التَّعَرُّفِ عَلَى أَعْظَمِ الْقِيَمِ الَّتِي جَسَّدَهَا صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ.
يُقَدِّمُ الْمَوْقِعُ رِحْلَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِمَا يُنَاسِبُ جَمَالَ تَنَوُّعِ قُدْوَاتِنَا؛ فَالرِّجَالُ يَتَعَرَّفُونَ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَحَدِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، لِيَتَعَلَّمُوا مِنْ شَجَاعَتِهِمْ وَاخْلَاصِهِمْ وَثَبَاتِهِمْ. أَمَّا النِّسَاءُ فَيُفْتَحُ لَهُنَّ الْمَوْقِعُ بَابًا يَوْمِيًّا نَحْوَ سِيرَةِ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ، لِيَسْتَلْهِمْنَ الْحِكْمَةَ، وَالطُّهْرَ، وَقُوَّةَ الْإِيمَانِ، وَرِقَّةَ الْقَلْبِ الَّتِي خَصَّهُنَّ اللهُ بِهَا.
وَبِهٰذَا يَكُونُ كُلُّ زَائِرٍ – رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً – عَلَى مَوْعِدٍ يَوْمِيٍّ مَعَ قُدْوَةٍ تُغَيِّرُ نَفْسَهُ وَتَرْتَقِي بِفِكْرِهِ.
مَا نُقَدِّمُهُ لَا يَتَطَلَّبُ سِوَى سَاعَةٍ وَنِصْفٍ – أَوْ سَاعَتَيْنِ عَلَى الأَكْثَرِ – مِنْ يَوْمِكَ. وَمَعَ ذٰلِكَ فَإِنَّ أَثَرَ هٰذِهِ اللَّحَظَاتِ الْيَسِيرَةِ يَظْهَرُ فِي رُوحِكَ وَأَخْلَاقِكَ وَنَظْرَتِكَ لِلْحَيَاةِ. فَالتَّعَرُّفُ عَلَى سِيرِ الصَّحَابَةِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ يَفْتَحُ لِلْقَلْبِ أَبْوَابًا مِنَ النُّورِ لا تُقَاسُ بِمِقْدَارِ الْوَقْتِ بَلْ بِقِيمَةِ الْمَعْرِفَةِ.
أُسِّسَ هٰذَا الْمَوْقِعُ دُونَ أَيِّ رِبْحٍ أَوْ مُقَابِلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ جَهْدٌ نَبْذُلُهُ رَجَاءَ وُجُوهِ اللهِ وَخِدْمَةً لِلْمَعْرِفَةِ النَّافِعَةِ. نُؤْمِنُ أَنَّ نَهْضَةَ الأُمَمِ تَبْدَأُ مِنَ الِاقْتِدَاءِ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ صُورَةَ الْقُدْوَةِ إِذَا صَحَّتْ صَلَحَتْ مَعَهَا النُّفُوسُ وَاتَّجَهَتْ نَحْوَ الطَّرِيقِ السَّوِيِّ.
نُرِيدُ أَنْ نُسَاعِدَ كُلَّ رَجُلٍ وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَلَى اخْتِيَارِ قُدْوَةٍ تَبْنِي الرُّوحَ وَلَا تَهْدِمُهَا، وَتُقَرِّبُ مِنَ اللهِ وَلَا تُبْعِدُ. نُرِيدُ أَنْ نُلْهِمَ الْقُلُوبَ بِسِيرَةِ الصَّحَابَةِ الْمُجَاهِدِينَ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ التَّقِيَّاتِ، لِنَسْتَعِيدَ قِيَمًا غَابَتْ وَنُحْيِي مَعَانِي فَاضِلَةً لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا أَحَدٌ.
هُنَا لَا نُقَدِّمُ مَعْلُومَاتٍ فَقَطْ، بَلْ نُقَدِّمُ تَجْرِبَةً تَبْنِي النَّفْسَ. سَوَاءٌ كُنْتَ رَجُلًا تَسْعَى لِقُوَّةِ الْقِيمِ، أَوِ امْرَأَةً تَبْحَثُ عَنْ نَقَاءِ الْقَلْبِ وَحِكْمَةِ الْقُدْوَةِ، فَإِنَّ رِحْلَتَكَ مَعَ مِنَ القُدْوَةِ سَتَكُونُ مَحَطَّةً يُومِيَّةً تَصْنَعُ الْفَرْقَ.